فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: “الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وأقسامه ثلاثة”
الكلام والمراد به هنا عند النحويين، وإن اختلف معناه عند الفقهاء وعند المتكلمين، وعند اللغويين، يختلف، ما يلفظ به الإنسان كلام عند اللغويين، وما يفهم منه المراد كلام عند الفقهاء ولو قلّ، ولو كان من حرفٍ واحد، والمتكلمين وأقصد بذلك من تلبّس بشوب بدعة عندهم الكلام هو النفسي، وعند النحويين الكلام هو اللفظ، وبهذا يرد على المتكلمين؛ لأنه لا ينسب لمن لم يلفظ كلام، هم يقولون: هو الكلام النفسي، نعم الشخص يزور ويؤلف الكلام في نفسه ثم ينطق به؛ لكنه قبل النطق به لا يسمى كلام، وإنما يسمى حديث نفس، وحديث النفس ليس بكلام، بدليل أن حديث النفس معفو عنه ما لم يتكلم، فدل على أن حديث النفس غير الكلام، حديث النفس غير الكلام، والمبتدعة هؤلاء من المتكلمين زعموا أن الكلام هو الحديث النفسي، حديث النفس لكيلا لا يصفوا كلام الله -جل وعلا- بأنه حرف وصوت، كما قال سلف الأمة وأئمتها، ثم لا يثبتون الكلام الحرفي الصوتي، الله -جل وعلا- تكلم، تكلم ويتكلم، تكلم في الأزل في الماضي، ويتكلم متى شاء بكلام وصوت وحرف يسمع، وهؤلاء لا يثبتون الحرف ولا الصوت وأن كلامه أزلي، تكلم به في القدم ولا يتكلم بعد ذلك، وهذا كلام مردود، سلف الأمة وأئمتها على خلاف ذلك، ولذا قال المؤلف:”الكلام” لأنه هو المقصود بالذات فبدأ به “هو اللفظ” اللفظ مصدر يراد به اسم المفعول الملفوظ، والأصل في اللفظ: الطرح والإلقاء كما تقول: (لفظت النواة) إذا طرحتها، “المركب”من كلمتين فأكثر، فالكلمة الواحدة ليست بكلام؛ لأنها وإن كانت لفظاً إلا أنها غير مركبة من كلمتين فأكثر، “المفيد” قد يكون الملفوظ به مركب من كلمتين أو ثلاث أو أربع كلمات لكنه لا يفيد وحينئذٍ لا يسمى كلاماً، (إن قام زيد) هذا كلام وإلا ليس بكلام؟ دعونا من اصطلاح اللغويين كلام، لكن هل هو مفيد؟ لا يفيد، حتى تتم أجزاء الجملة بالجزاء وحينئذٍ يكون مفيداً، وإن تركب من ثلاث كلمات إلا أنه غير مفيد فليس بكلام على هذا، “اللفظ المركب المفيد فائدة يحسن السكوت عليها”، فإذا قلت: (زيد قائم) هذا لفظ مركب من كلمتين مفيد فائدة يحسن السكوت عليها، فائدة (زيد قائم) هل يمكن أن يقول لك السامع: كيف قائم؟ إيش معنى قائم؟ يعرف معنى قائم، إذا سمع هذا الكلام سكت، (زيد قادم) يسكت؛ لأن الجملة تامة من مبتدأ وخبر، والخبر الجزء المتم الفائدة، يحسن السكوت عليها من قبل المتكلم والسامع.
“بالوضع” المراد به الوضع العربي، يعني ما كان بلغة العرب، وعلى هذا تخرج جميع لغات الأعاجم، فلا تسمى كلاماً، لغات الأعاجم كلها لا تسمى كلاماً، إنما الكلام ما كان بالوضع العربي، فكلام الفرس والروم والبربر والهنود والزنوج وغيرهم من أصناف الأعاجم لا يسمى كلام؛ لأنه يخرج بالقيد الأخير بالوضع العربي، ومنهم من يقول: المراد بالوضع هنا القصد، يدخل الكلام المقصود وإن كان بغير العربية، الكلام المقصود يدخل وإن كان بغير العربية إذا كان مفهماً ويخرج بذلك الكلام وإن كان مفيداً اجتمعت فيه القيود السابقة يخرج بذلك إذا لم يكن مقصوداً ككلام النائم مثلاً، هذا ليس بكلام، كلام الساهي والغافل ليس بكلام لأنه غير مقصود، كلام بعض الطيور المعلمة لا يسمى كلام؛ لأنه غير مقصود؛ لأن الطيور لا قصد لها، يقول ابن مالك -رحمه الله تعالى- في تعريف الكلام:
كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم *** ………………………………..
(لفظ) تقدم بيانه منطوق به، مشتمل على الحروف المعروفة الثمانية والعشرين، مفيد فائدة يحسن السكوت عليها، كاستقم: هذا مثال، وبالمثال استغنى عن إيش؟ المركب؛ لأن (استقم) مركب، استقم فعل أمر، وفعل الأمر لا بد له من فاعل، ضمير مستتر فيه وجوب تقديره أنت، وابن مالك -رحمه الله تعالى- لما جاء بهذه الكلمة لأهمية الاستقامة حتى قال بعضهم: أن سورة هود، وقد جاء فيها ما جاء من الأخبار التي منها: ((شيبتني هود)) سبب ذلك الأمر بالاستقامة {فَاسْتَقِمْ} [(112) سورة هود] فيها الأمر بالاستقامة، ولأهمية الاستقامة في حياة المسلم، فينبغي أن يذكر بها طالب العلم، فاختار هذا المثال -رحمه الله تعالى-.
طالب:………..
اللسان دليل عندهم، اللسان دليل على ما في القلب عندهم، يستدلون ببيت الأخطل.
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أ. الدسوقي السيد