حث الإسلام على ممارسة الرياضة
جعل الله تعالى دين الإسلام دينًا شاملًا، يتعامل مع الإنسان من كافة جوانبه، ويراعي فيه طبيعته البشرية القاصرة؛ ليصل به إلى التوازن والانسجام والسلام، وليباعد ما بينه وبين التناقض والصراع، فرعى عقله وتفكيره، وجسمه وروحه().
وإذا كان تكليف الإنسان بعبادة ربه تعالى يستدعي منه جدًّا وكدحًا وعملًا متواصلًا وكفاحًا، إلا أن الإسلام ـ مراعاة منه لطبيعة الإنسان ـ أباح له بعد الجد والكدح أن يأخذ شيئًا من الراحة والاستجمام يريض به جسمه، ويجدد به نشاطه، ويحيي به نفسه، ويريح عقله، ويعيد إليه صفاءه.
والترويح المباح شرعًا واسع المساحة متنوع الألوان والأنماط، متعدد الوسائل، مختلف الاتجاهات، متجدد تجدد الأزمنة، وتختلف قيمته بحسَب مردوده على الشخص الممارس، روحه وعقله، وآثاره على نفسه وذوقه، وبحسَب رعايته لجسم هذا الإنسان، وخدمته لدوره الاجتماعي والفردي. فقد قال سبحانه: ﴿wur [Ys? y7t7ÅÁtR ÆÏB $u÷R9$#﴾[القصص: 77]. قال الحسن وقتادة: «معناه: لا تضيعحظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه،ونظرك لعاقبة دنياك، فالكلام على هذا النحو فيهبعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه»().
وقد دعا الرسول ﷺ لتعلم ألوان من الترويح؛ بقوله: «عليكم بالرمي، فإنه من خير لعبكم»(). بل وصل الأمر إلى الوعيد على تركه بعد إتقانه.
بل يعتبر بعض العلماء الترويح كتعلُّم العِلم سواء بسواء، والذهاب لميادينه كالذهاب للمسجد، فيقول: «ينبغي للمتدرب بأن يَعُدَّ رواحه إلى المرمى كرواحه إلى المسجد، واجتماعه بمن هناك كاجتماعه برؤساء الناس وأكابرهم، ولا يَعُدَّ رَواحه لهوًا باطلًا ولعبًا ضائعًا، بل هو كالرَّواح إلى تعلُّم العِلم»().
فالأصل في الترويح عند المسلمين هو ما يعود على الإنسان من فوائد جسمية أو روحية أو عقلية، وعلى المجتمع بالخير والنفع والتقدُّم().
ولا ريب أن المستقرئ للسنة النبوية الشريفة؛ سيجد مجالات عدة للترويح عرفت في مجتمع الرسول ﷺ منها: السباحة، والعلاج ـ وهو رفع الحجر باليد، ويسمى في الوقت الحاضر: رفع الأثقال ـ والمطاردة، والتدبيح (القفز)، والقفيزي (الوثب العالي)، والكرة ()، وغيرها من المسابقات والمنافسات الرياضيةالأخرى التي كانت تقام بشكل منظم وعلى فترات زمنية غير متباعدة، وكانت المشاركة فيها مكفولة للجميع، وكانت تتم بمشاركة الرسول ﷺ مشاركة فعلية، أو بمشاهدته وإقراره لها فقط، وقد تكون على عوض ـ رهانًا كان أو جائزة ـ وقد تكون على غير عوض().
وبذلك يعلم أن ممارسة الرياضة أمر محمود جائزشرعا بالسنة والإجماع، أما السنة فقد روي عن ابن عمر أن النبي ﷺ سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق. [رواه البخاري].
وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة، والمسابقة تكون بعوض وبغير عِوَض، فقد صارع النبي ﷺ ركانة [رواه أبو داود]. وذكر ابن قدامة في المغني أن رسول الله ﷺ مر بقوم يرفعونحجرا ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم ذلك [رواه البزار]. كما أجمع الفقهاء على جواز الرهان في السباق بشروط محددة، مع جواز أن يكون المال من غير المتسابقين، وهو ما عليه الحال في ممارسة الرياضة سواء كان ذلك بنظام الدوري أو بنظام الكأس.
وبناء على ذلك فإن الدول الإسلامية كافة تسعى سعيا حثيثا لتربية أبنائها وشبابها على ممارسة الرياضة، والمشاركة في المسابقات الرياضية المحلية والدولية، في ضوء هديه ﷺ .
والخلاصة أن الإسلام منهج كامل يرعى الجسم، ويرعى النفس، يرعى الدنيا، ويرعى الآخرة، يرعى الحاجات، ويرعى القيم، لأنه دين الفطرة، فالإسلام لا يمكن أن يمنع تقوية الجسم بمثل هذه الرياضات، رغبة في أن يكون أبناؤه أقوياء في أجسامهم، وفي عقولهم، وفي أخلاقهم، وأرواحهم.