د خليل حجاج- جامعة العلوم الإسلامية بالأردن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد رب العالمين القائل في كتابه الكريم ” وقل رب زدني علما ” والصلاة والسلام على رسوله الأمين القائل ” إن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير ” وبعد ،،،،
يواجه تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها تحديًا كبيرًا، إذ إن تعليمها هو المدخل الرئيس الذي تُقدِم به الحضارة العربية الإسلامية ثقافتها، وهي وسيلة اطلاع الآخر على حقيقة هذه الحضارة، ودحض الأفكار التي يروجها أعداء العرب والمسلمين ولذلك كله على العلماء العرب استثمار إقبال ” الآخر” على تعلم هذه اللغة، لاستمالتهم ولفت انتباههم إلى حقيقة الإسلام، وبيان قضاياه الأساسية في صورتها الواقعية لا كما يرسمها الآخرون.
إن تعليم اللغة عملية تهدف إلى تحقيق غايات محددة عند كل راغب بتعلم اللغة سواء كانت هذه اللغة العربية أو غيرها من اللغات، ومن هنا أرى أن ما يتم في معظم المراكز التي تصدت لمثل هذا الفعل ينطلق من مفهوم غير واضح ويحتاج إلى الكثير من التطوير ليس في الأساليب وحسب بل بالرؤيا والأهداف أيضا، فكثيرًا ما نرى ونقرأ في كل المؤتمرات، ومقدمات التعريف للمواقع الالكترونية لمراكز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بشكل خاص كلامًا مكررًا، خاليًا من الأهداف الحقيقية ، فكل ما نراه لا يزيد عن الإعلان الهادف لاستقطاب الراغبين بالانتباه إليها، بعيدين كل البعد عن خدمة اللغة نفسها، أو حتى خدمة الأمة نفسها ورسالتها، وبالإضافة لذلك نلمس ما له من التباهي في عرض هذه المراكز لنفسها دون النظر إلى الأهداف الحقيقية سواء كان ذلك بالنسبة للغة نفسها أو حتى للمتعلم.
إخواني الأساتذة الأفاضل:
إن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ، أمرًا ليس جديدًا، فالعرب الذين حملوا هذه الرسالة حينما نزلت على النبي محمدًا ( صلى الله عليه وسلم) كانت أعداد الذين يحسنون منهم القراءة والكتابة محدودًا جدًا، ولهذا السبب استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أساليب عدة لزيادة عددهم منها:قراءة القرآن على مسامعهم، وعن طريق هذا الأسلوب الذي نسميه اليوم بالتهيئة الذهنية استطاع الأميون من العرب أن يحوزوا من البلاغة والحِكم مالم يحزهُ غيرهم من الأمم، وبنفس هذا الأسلوب أوتوا ذرائب اللسان مالم يؤتّ إنسان، ثم طلب إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتدربوا على الخطابة فتعلموا من هذا الفصل ما يُقيد الألباب……. وعن طريق هذا الأسلوب استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرسلهم للملوك والأكاسرة، والأباطرة يحملون سفارته، حتى بلغت فصاحتهم ما بهرت بها العقول وتغلب قولهم على كل مقول.
لقد سمع العرب القرآن، ثم حفظوه قبل أن ينقلوه إلى قبائلهم لتشبيع الفاظه وطرائقه في منتدياتهم ويستخدموه في خطبهم ورسائلهم، ثم اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الخطوات بأخرى تمثلت في تعليمهم كيف يكتبون العهود والمواثيق مع غيرهم، وطلب إليهم أن يتخيروا لها من العبارات ما يحقق غاياتهم، ثم عرفهم على كيفية استخدام الكلم في مواقع الكلام، وأن لكل مقام مقال، حتى فعلت كلماتهم في النفوس مالا تفعلهُ السيوف.
وأما كتاب الله سبحانه وتعالى فقد حفظ لنا الكثير والكثير ما نستطيع الاستفادة منه في هذا المجال- قال تعالى” أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شئ” وقال تعالى” أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج” صدق الله العظيم.
إن ما تحثنا عليه هذه الآيات في مجال بحثنا اليوم هو عملية الربط اللفظي مع المرامي والأهداف أي بمعنى آخر : أن علينا تعميق الفهم اللغوي عند الدارس وتعليمه التفكير باللغة، فالله سبحانه وتعالى بالدين الجديد الذي نعمنا به أطلق العقول من عقالها حتى غدا العرب خلال سنين محدودة فرسان الكلام.
وأما في عهد الخلفاء الراشدين ( رضي الله عنهم) وبفعل الحماس لهذا الدين راحوا كلما فتح الله عليهم مصرًا، يعلمون أهله- اللغة العربية، كأساس لتعليم الدين- وفقه الدين، إلى أن أصبحت اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة الإسلامية، وكتب التاريخ تعطينا أفضل الأمثلة على الذين أبدعوا من المسلمين الجدد بشتى العلوم وكتبوا مادتهم باللغة العربية وليس بلغاتهم الأصلية.
وغدا معظم كتاب الدولة منهم لحسن حظهم، فجمالية الخط، والإحاطة بالأشعار والأمثال ومعرفة الأشباه، وموقع الكلام، كلها أشار إليها التراث العربي الإسلامي لمن أراد أن يكون كاتبًا، فعلى سبيل المثال وليس الحصر.
شهدت مصر أكبر عملية تعريب في عهد عبد الملك بن مروان ففي الوقت الذي كانت اللغة القبطية على وجودها أمام اللغة اللاتينية قبل الفتح نراها قد تراجعت لصالح اللغة العربية التي أصبحت خلال فترة بسيطة لغة التخاطب، ولغة الدواوين، وكل ذلك بفضل نظام الأرتباع الذي أُعطي للقبائل العربية الذي تخرج بموجبة القبائل إلى القرى والأرياف لإطلاق خيولهم ودوابهم للرعي في فصل الربيع لمدة ثلاثة أشهر ليساهم ذلك في توسيع الروابط بين القبائل العربية وبين السكان الأصليين وبالتالي ساهم في انتشار الإسلام أولا، ثم تحويل الناس بفعل حسن المعاشرة عن لغتهم إلى اللغة العربية.
وإذ نعني هنا بهذه الموروث التاريخي ، فإننا نعني بالتأكيد لضرورة أن تتبنى مراكز البحث أحد الخيارين الآتيين:
الأول: استخدام أسلوب اختيار بعض العائلات العربية في البلد الذي يتواجد فيه الطالب- للاستفادة منها، لغة، وثقافة وحضارة ، فيتعرف اللغة والعادات والتقاليد، وأسلوب الحياة، شريطة أن تكون هذه النماذج المختارة مدروسة مسبقًا بشكل يتحقق فيه الهدف.
وأما الخيار الثاني: فيتمثل باختيار مجموعة من الطلبة الدارسين للغة العربية ممن يرغبون التطوع لمثل هذا العمل، واعتبارهم مرافقين لغويين مع الطلبة الراغبين بتعلم اللغة العربية،ولإحكام ذلك والاستفادة من أبعاد هذا الدمج مع المجتمع المحلي والجامعي، ينبغي تحديد مخصصات مالية، بحيث يستطيع هذا الرفيق اللغوي من إحداث التطوير اللغوي المطلوب، عن طريق زيارة الأسواق بهدف إحكام معرفة التعلم مباشرة من عملية البيع، والشراء، وإتقان ألفاظها، ثم زيارة المطاعم – ومعرفة عملياتها اللغوية، ثم معرفة وإتقان المصطلحات الخاصة بالمواصلات، والأماكن الخاصة بدور العبادة، والأماكن السياحية .
ويقترح – أن يتم هذا الإجراء في جميع مراكز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها قبل دخول الطالب إلى التعليم الصفي. إن الذهاب لمثل هذا الأسلوب يحقق جملة من الأهداف أهمها:
1- إزالة الرهبة في التعرف على المجتمع وتزيل غربته.
2- تمكين المتعلم من الحصول على ما يحتاج إليه وتسهيل ذلك.
3- منح الطالب المستجد الفرصة على إجراء مراجعة اقتصادية ذاتية من أجل التخطيط للمدة التي سيقضيها من أجل تحقيق غايته.
4- إكساب الطالب مهارات سماعية مختلفة في أماكن مختلفة تهيئة ذهنيًا لاكتساب المعرفة اللغوية.
5- التعلم بالتكرار.
6- ضمان استمرارية التعليم مما يزيد من الحصيلة التعليمية.
ومن الاقتراحات الذي يسعدني أن أتقدم بها لمؤتمركم الكريم فتتمثل بـ :
1- إعادة النظر فيمن يتولى العمل في مراكز تعليم اللغة أو تأهيلهم لمعرفة أن تواجدهم مع متعلمي اللغة العربية من غير العرب ليس مجرد وظيفة معاشيه، بل هي واجب ديني، قومي، ينبغي تكريس الجهد والوقت إليه باعتبار أن ذلك يمثل عملًا مأجورًا عند الله. ودفعه للاستمرار في العمل والابتكار فيه لما يحقق الغايات المنشودة. وفي هذا الإطار يمكن اعتبار الشروط الواجب توافرها في الداعية شروطًا أساسية لمن يرغب العمل في هذا المجال.وانتم جلكم علماء تعرفون أن الإسلام انتشر في بلاد كثيرة بفضل القدوة الحسنة ( قال تعالى: ” وادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” ) . فالعمل بهذا المجال، يحتاج المعرفة اللغوية، والفقهية، والشعر، والأدب، والقصة، وبالأماكن، وطرق المواصلات وبدائلها….الخ وعلى رأس كل ذلك الأمانة والإيمان بخدمة الدين واللغة .
والأمانة هنا نقصد بها الأمانة بالحرص على الوقت والعمل من أجل تحقيق الأهداف باعتباره الأعرف بما تحقق وما بقي.
وأما الاقتراح الآخر الذي أود الإشارة إليه هو ضرورة العمل من أجل توحيد منهاج عربي متكامل يدرس في جميع المراكز العربية المعنية وخصوصًا المراكز الجامعية، والرسمية، والسبب في ذلك وحده الهدف وسهولة الوقوف على النقد، والتطوير.
ومما أرغب في تأصيل وجوده هنا في هذا المؤتمر الكريم هو ضرورة تقسيم مدة التعليم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: إحداث المعرفة اللغوية قراءة وكتابة.
الثاني: تفريع التعليم اللغوي بعد الانتهاء من المرحلة الأولى إلى التعليم وفق التخصص الذي يرغب الطالب التوجه إليه إذا كان حضوره أساسا لإتمام دراساته الأولى أو العليا.
الثالث: استمرارية التعليم اللغوي على مدار وجود الطالب في الجامعة بحيث يخصص له ثمان مواد لغوية متعمقة طوال فترة تواجده بالدراسة ينهيها على شكل دراسة مادة لغوية واحده في كل فصل دراسي ، علمًا بأن هذا الأسلوب متبع في كل من الجامعات الروسية، والصينية.
الرابع: تخصيص مادة تاريخ الإسلام كمتطلب إجباري لكل متعلم يرغب بإنهاء مرحلة البكالوريوس وأن يتم التشديد باجتيازها نظرًا لما فيها من تحقيق للأهداف المطلوبة ويفضل أن تكون هذه المادة موحده للراغبين في الانضمام للإتحاد المدعو إلى إنشائه في هذا المؤتمر.
إخواني الكرام
إن الفرصة للاستفادة من الآخر لا زالت قائمة، وعلينا السعي للاستفادة منها في تأصيل تواصلنا مع أبناء الحضارات الأخرى لتحصيل شرع عقيدتنا بكل يسر وأن لا يبقى هاجسنا الوحيد المقولات المتكررة : علمنا واستخدمنا طريقة السماع ، استخدمنا التقنية الحديثة، والكتاب، والسبورة، والطبشوره، فهي أدوات لم يبق أحد لا يعرفها منذ أن قال الله تعالى: ” ن والقلم وما يسطرون” ، ولم يتعلم محمد بأي وسيلة، سوى الطريقة التي جاء بها جبريل عليه السلام من عند الله اقرأ ، فالقراءة، والحفظ، هما المعياران الأساسيان، وما دونهما يجب أن تكون غايته الفهم والتفكير. وليكن حاضرًا في ذهننا أن الله ميزنا على غيرنا من الأمم بقوله تعالى:” كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”.
فإذا انتفت صفة الشرط وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انتفت الميزة وانتهت القدرة على تقديم المثل الأحسن وهو القدوة التي هي أساس العمل الدعوي.
وفقكم الله وسدد على دروب الخير خطاكم . وشكري موصول إلى الإخوة الداعمين لهذا المؤتمر، ونحن معكم ونعلن رسميًا الانضمام للإتحاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته