متطلبات إعداد برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
رؤى وتجارب
أ. د مصطفي رسلان
كلية التربية – جامعة عين شمس
هذه الورقة البحثية تبدأ بعرض لأهمية موضوعها، يلي ذلك عرض المداخل والاتجاهات الحديثة لتعليم اللغة التي تحتل المنطلقات الفكرية لبناء برامج اللغة العربية للناطقين بغيرها، ودوافع وأسباب تعلم الدارسين للغة العربية، والدراسات التقابلية بين اللغة الأم واللغة العربية، وبناء قائمة بالمفردات الأساسية , وعمل مصفوفة بالمهارات اللغوية والجوانب الثقافية.
أولا: الأهمية.
تعد اللغة من أهم وسائل تواصل الإنسان بغيره، ولا يمكن أن يعيش أي إنسان، بل أية دولة بالعالم في عزلة عن الآخرين، وهذا نتيجة لترابط المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لجميع دول العالم وتشابكها في عصرنا الحاضر.
يضاف إلى ما سبق أن إزالة الحواجز اللغوية والثقافية عن طريق تعلم اللغات ؛ يتيح للمرء تعرف أناس آخرين، يتعلم منهم أشياء عن نفسه عن طريق المقارنة، ويستكشف الاختلافات بين ثقافته والثقافات الأخرى، كما أن دراسة اللغات يجعل الإنسان يتعمق في الحياة، ويتسم بالتسامح والمرونة، ويكتسب مهارات تعلم جديدة.
وتعد اللغة العربية من اللغات العالمية ذات التاريخ، كما أنها أصبحت الآن من اللغات التي يقبل على تعلمها، الكثير من الدارسين من جميع أنحاء العالم، ومرد ذلك إلى عوامل متعددة ؛ منها التاريخية، الاقتصادية، السياسية، الحضارية، اللغوية، الجغرافية، السكانية، والاهم الدينية.
ونتيجة لكل هذه العوامل تزايد الاهتمام بإعداد البرامج والمواد التعليمية المقدمة للراغبين في تعلم العربية، وذلك في مراكز متعددة وهيئات ومنظمات متنوعة على مستوى العالم.
ويتطلب بناء هذه البرامج وإعدادها مجموعة من المتطلبات المنهجية، بداية من تحديد المدخل أو الاتجاه الذي يستند إليه أي برنامج، ثم حصر الدوافع والأسباب الخاصة بتعليم اللغة العربية، وعمل دراسات تقابلية بين العربية ولغة الدارس الأم، ووضع مصفوفة بالمهارات اللغوية والجوانب والمعالم الثقافية موزعة على المستويات المختلفة، وعمل قائمة بالمفردات اللغوية الأساسية للاسترشاد بها عند بناء هذه البرامج.
ثانيا: مداخل واتجاهات تعليم اللغة.
تحتل هذه المداخل والاتجاهات المنطلقات الفكرية التي يستند إليها أي برنامج لغوي، وهناك عدد بين المداخل والاتجاهات ذات الصلة بتدريس مهارات اللغة سواء أكانت هذه اللغة لغة ثانية أم أجنبية، والبداية من استخدام النحو والترجمة، ومدخل القراءة، والسمعي الشفهي، والفكري المعرفي، والوعي الصوتي، والتواصلي، والنفسي الاجتماعي، والتذوقي، والتأملي، ومدخل عملية الكتابة، والتقانة اللغوية، ومدخل تحليل الأخطاء.
ويمكن انتقاء المدخل المناسب في ضوء طبيعة الدارس وخصائصه من حيث : العمر والدوافع والاستعدادات والمستوى الذي وصل إليه في تعلم اللغة، كما يمكن للبرنامج أن يتبنى توليفة من المداخل دون الاقتصار على مدخل أو اتجاه لغوي واحد.
ويرتبط بالمنطلقات الفكرية لأي برنامج لغوي كيفية المزاوجة بين الكفاءة التواصلية والكفاءة اللغوية ؛ لأن هناك ارتباطا عضويا وتماسكا بين هذين المفهومين. ويقصد بالكفاءة اللغوية تزويد الدارسين بالمهارات والأساليب التي تضبطها، وتحكم ظواهرها، والخصائص التي تتميز بها مكوناتها، ويؤكد هذا الاتجاه أن أقدر الناس على التعامل باللغة هم الذين يعرفون أصولها، ويفهمون قواعدها، ويدخرون في عقولهم رصيدا كبيرا من مفرداتها.
وتركز الكفاءة التواصلية على تزويد الدارسين بالمهارات اللغوية المناسبة التي تمكنهم من التواصل المستمر بأهل اللغة المستهدف تعليمها، بالثقافة التي نشأت هذه اللغة فيها.
ثالثا: تحديد دوافع وأسباب تعلم الدارسين اللغة العربية.
تعرف الدوافع والحاجات أمر لا غنى عنه ؛ لأنه يتيح الفرصة للقيام بمناشط متنوعة تدور حول دوافع الدارسين لتعلم اللغة، وتعمل هذه الأنشطة على إشباع تلك الدوافع، كما أنها تترجم الأسباب التي دفعت الدارسين إلى تعلم اللغة، ويرتبط اتخاذ القرارات حول بناء البرنامج من حيث : مهاراته وموضوعاته ومفاهيمه وقواعده والأساليب والتراكيب المستخدمة فيه، وإجراءات تعليمه، والأسباب والدوافع الخاصة بتعلم اللغة ؛ ومن ثم فإن تحليل الحاجات يعود إلى منتج جيد وبرنامج فاعل.
وتحديد هذه الأسباب والدوافع يتم عن طريق أساليب منهجية منها: الملاحظة، استطلاعات الرأي، المقابلة، تحليل ووصف المهام، الأدوار التي سيقوم بها الدارس، معلومات حول الخلفية اللغوية والمعرفية للدارس، أساليب التعلم المفصلة، تحليل الكتابات في المجال التخصصي، تحليل الخطاب.
رابعا: تحديد أهداف البرنامج وعمل المصفوفة اللغوية المستهدف إكسابها في صورة مجالات.
وهذه المجالات مترجمة إلى معايير، ومن تلك المعايير نستقي المؤشرات السلوكية، والمجالات بداية من الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة، والتراكيب النحوية، والأساليب البلاغية، كما يتم تحديد المحتوى الثقافي المراد تقديمه في البرنامج، والتركيز على ملامح الثقافة التي تميز أهل اللغة العربية، والتي تحترم عقلية الدارس غير العربي.
خامسا : عمل دراسات تقابلية بين اللغة الأم واللغة العربية.
يقبل الدارس على تعلم اللغة العربية وهو يمتلك نظاما لغويا كاملا، يتمثل في لغته الأم، وعند بناء البرنامج وتحديد المهمة اللغوية، فإنه يمكن تحديد أوجه التشابه وأوجه الاختلاف بين اللغة الأم واللغة العربية، وذلك بعمل دراسات تقابلية على مستوى الأصوات أو الدلالات أو التراكيب أو المفردات، وهذه الدراسات سوف تشير إلى الصعوبات اللغوية التي يمكن أن تواجه الدارس عند تعلمه للغة العربية.
سادسا : إعداد قائمة بالمفردات الأساسية اللازمة للدارسين.
يبقي أن تبنى البرامج اللغوية على أساس التدرج الذي يراعي حصيلة الدارس اللغوية، ويتطلب ذلك إعداد قوائم بالمفردات. ويلاحظ أن القوائم تقف من البرنامج اللغوي موقف الناصح لا موقف الآمر، أي أن واضع البرنامج ينتفع بها دون أن يلتزم بحدودها؛ فهي عون له وليست قيدًا عليه، مع الأخذ في الاعتبار التطور في الاستعمال اللغوي الذي يتأثر بتغير الأحداث.
هذه بعض المتطلبات الأساسية التي ينبغي أن تراعى عند بناء أي برنامج لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
متطلبات إعداد برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها “رؤى وتجارب”
نشر فى: الأبحاث
– 20 يناير, 2013