قـــــــــــــــــالوا عن العربية
قال ابن باديس: «… لا بقاء للإسلام إلا بتعليم عقائده وأخلاقه وآدابه وأحكامه، ولا تعليم له إلا بتعليم لُغته…
وقال الإبراهيمي – مبيِّنا فضل اللغة العربية -: «لُغة الأمَّة هي ترجمان أفكارها، وخزانة أسرارها، والأمَّة الجزائرية ترى في اللغة العربية – زيادة على ذلك القدر المشترك – أنّها حافظةُ دِينها ومصحِّحة عقائدها ومدوِّنة أحكامها، وأنَّها صِلة بينها وبين ربِّها تدعوه بها وتعترف، وتبوء بها إليه فيما تقترف، وتؤدِّي بها حقوقه، فهي لذلك تشدُّ عليها يد الضنانة، وما تودُّ أنّ لها بها لُغات الدنيا وإن زخرت بالآداب وفاضت بالمعارف، وسهَّلت سُبل الحياة، وكشفت عن مكنونات العلم، فإن أخذت بشيء من تلك اللغات فذلك وسيلةٌ إلى الكمال في أسباب الحياة الدنيا، أمّا الكمال الروحانيّ والتمام الإنسانيّ؛ فإنَّها لا تنشده ولا تجِده إلا في لُغتها التي تكوَّن منها تسلسلها الفكريُّ والعقليّ، وهي لُغة العرب؛ ذلك لأنّ لغة العرب قطعةٌ من وجود العرب وميزة من مميِّزات العرب، ومرآة لعصورهم الطافحة بالمجد والعلم والبطولة والسيادة، فإذا حافَظ الزِّنجي على رطانته ولم يَبغِ بها بديلا، وحافظ الصيني على زمزمته فلم يرضَ عنها تحويلا؛ فالعربيُّ أولى بذلك وأحقّ؛ لأنَّ لُغته تجمع من خصائص البيان ما لا يوجد جزءٌ منه في لغة الزِّنج أو لغة الصين، ولأنَّ لُغته كانت – في وقت ما – لسان معارف البشر، وكانت – في زمن ما – ترجمان حضاراتهم، وكانت – في وقت ما – ناقلةَ فلسفات الشرق وفنونه إلى الغرب، وكانت – في وقت ما – هادية العقل الغربيِّ الضالّ إلى موارد الحكمة في الشرق، وكانت – في جميع الأوقات – مستودع آداب الشرق وملتقى قياداته الفكريّة.
وما زالت صالحة لذلك، لولا غبارٌ من الإهمال علاها، وعاقٌّ من الأبناء قلاها، وضيمٌ من لُغات الأقوياء المفروضة دخل عليها، وهي – قبلَ وبعدَ كلِّ شيء – حاضنةُ الإسلام ودليلُه إلى العقول ورائده إلى الأفكار، دخلت به إلى الهند والصين، وقطعت به البحار والفلوات، وفيها مِن عناصر البقاء ومؤهِّلات الخلود ما يرشِّحها للسيطرة والتمكُّن، فقد احتوشتها الرطانات من كلِّ جانب، ودخلت عليها دخائل العُجمة واللّكنة، فما نال كلُّ ذلك منها نيلا؛ وإنّ لغةً يصيبها أقلُّ ممَّا أصاب اللغة العربية من عقوق أبنائها وحرب أعدائها لَحقيقةٌ بالاندثار والفناء، ولكنَّها لُغة العرب “…»
أ. سويفي فتحي